بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
نقل أحد المؤمنين عن السيد جعفر بحر العلوم،
المضمون التالي: أنه كان يوماً في بيت السيد حسين بحر العلوم، نجل آية الله السيد علي بحر العلوم، صاحب كتاب (برهان الفقه)، وكان سماحته في ديوانه يستقبل الوفود والمراجعين، وكان من بين المراجعين الذين وفدوا عليه عالم رياضيات مسلم من الهند، وبعد أن استقر به المجلس وعرّف نفسه لسماحته، قال: بإمكاني أن أخبركم عن كل ما تسألون بالقلم والقرطاس.
وبالفعل كان يجيب بصواب على الأسئلة العادية التي طرحت عليه من الحاضرين. وذلك وفق حسابات رياضية كان يحررها على الورق.
حينذاك أقبل سماحته،وقال: هناك سؤال أظنك لن تقدر على جوابه.
قال عالم الرياضيات: وما هو؟
قال سماحته: إنه صعب وخارج عن وسعك! فقال: وليكن صعباً فإني أحاول الإجابة عنه، فماهو؟
قال سماحته: الآن وقد أصررت فأخبرنا عن المكان الذي يتواجه فيه سيدناومولانا، ومن بوجوده استقرت الأرض ورزق الخلق، الحجة بن الحسن (عليه السلام).
قال المرتاض: نعم، وبدء يبحث عن الجواب من خلال حساباته الرياضيةالمعقدة، لكنه وللمرة الأولى أبطأ في الجواب مما دعا سماحته أن يقول له: ألم أقل لكأنك لن تقدر على إجابة هذا السؤال؟
فأجاب: اصبروا قليلاً لعلي أهتدي إلى الجواب: ثم بعد مدة قال: ليس الأمر كما تظن، ولكن أفكر في أنه من هو الشيخ طه نجف؟
أجاب سماحته: إن الشيخ محمد طه نجف، أحد مراجع التقليد المعروفين عندنا في النجف الأشرف.
قال المرتاض: الذي تسألون عنه هو الآن في بيت الشيخ وعنده، وهنا أسرع سماحته بصحبة السيد جعفر ونفر آخرين متجهين نحو بيت المرجع آية الله الشيخ محمد طه نجف،
وفي الطريق انتهوا إلى مفترق طرق ثلاثة، ينتهي أحدها إلى بيت الشيخ، حيث التقوا هناك بإنسان يرتدي العباءة والكوفية، وعليه الوقار والسكينة، وتطفح من جوانبه هيبة وعز، فاجتازوه نحو بيت الشيخ، وما إن دخلوه إلا ورأوا ديوان الشيخ خلواً من الناس، حتى الذي يستقبل المراجعين ويقدّم لهم الماء والقهوة، لكن الذي فاجأهم بشدة هو جلوس الشيخ في ناحية من الحجرة، جلسة الحزن، يغمره أنين وزفير،تتساقط قطرات الدموع على كريمته،
وهو يتمتم قائلاً: صار في يدي، فلم أنتبه له، ولماانتبهت كان خرج من يدي!
فتعجب الواردون كثيراً، وتساءلوا - بعد التحية والسلام - عما يبكي الشيخ؟ وكان الشيخ لم يلتفت لقدومهم إلا بعد التحية والسلام فقام ورحب بهم وجلس إليهم يحدثهم بالحادث الذي تركه حزيناً، يكفكف دموعه ولوعته
قائلاً: إنكم تعلمون برجوع الناس إلي في مسائلهم واستفتاءاتهم، وخصوماتهم، وأنا أجيبهم وأفتي لهم، وأفصل بينهم، وآخذ الأموال وأعطيها وأنصب القيم والمتولي ونحو ذلك كل ذلك بتحرٍّ واجتهاد، ليوافق الشرع الشريف، غير أنه منذ سنوات، أخذت تريقني فكرة: هل إني مصيب في كل ما أفتيت وما قضيت وأزاول وأعمل، وهل إني مرضي عند الله ورسوله والأئمة الطاهرين (عليهم السلام)؟
وقبل ثلاث سنوات استشفعت إلى الله بمولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك وطلبت منه بإلحاح أن أجد في نفسي صواب أو خطأ هذه الأعمال ولو خطأ عن قصورلا تقصير، فلما اشتد إصراري وتوسلي رأيت ذات ليلة في المنام مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام)
فأخبرني: أن ما أريده سيتم عند ولده المهدي صاحب العصر والزمان (عليه السلام) فبقيت أرقب الأيام والليالي، انتظر قدوم الحبيب في كل آن ولحظة، ولم أحسب أن سأحصل عليه وأعرفه وفي هذا اليوم بالذات! فقبل مجيئكم بقليل خلا الديوان من المراجعين وكان خادمنا قد ذهب ليهيئ بعض لوازم البيت.
فدخل رجل كانت تدل لهجته على أنه من العشائر العربية. فسألني بعد السلام عن مسألة فأجبت عليها، فأشكل عليه إشكالاً علمياً، وحاولت الإجابة عن الإشكال، غير أنه قاطعني - وهو عالم بمغزى جوابي كله
- بإشكال ثان وبدأت أجيب عن الإشكال الثاني فقاطعني للمرة الثانية بإشكال علمي ثالث، وهكذا كلما بدأت في الجواب بادرني بإشكال علمي آخر، حتى خالجتني أفكارمتناقضة حول الرجل وفضله، وأنه كيف يمكن التوفيق بين معرفة هذه المباحث الدقيقة،وبين ظاهر رجل عشائري، بعيد كل البعد عن هذه المباحث العلمية. لكن غفلة عميقة خيّمت على ذهني، وأنستني ما كنت بانتظاره وترقّبه من التشرّف بلقاء الحبيب.
واستمرت غفلتي عن حاجتي، ولم أنتبه حتى مع ضرب الرجل يده على كتفي وقوله لي: (أنتمرضي عندنا) وزاد استغرابي من أن رجلاً يدل صوته على أنه من أهل البادية كيف يقول هذه الكلمة لمرجع تقليد؟
وفجأة بعد مغادرته الديوان، انكشفت غفلتي، وعاود ني فطنتي، وتذكرت أملي وأمنيتي طالما كنت أفكر بها، وأرجو التصرف على حالي وموقفي عندربي ونبيي وأئمتي (عليهم السلام) وقد أخبرني الرجل عن ذلك بقوله(أنتمرضي عندنا) ولم أنتبه أنه الحبيب الذي جنّدت نفسي لنصرته وصرفت عمري لخدمته حتى دخل عندي، فيا أسفي على نفسي، فقد صار عندي وفي يدي فلم أنتبه له. لأتزود منه ومن نوره وبركاته، ولما انتبهت كان قد خرج عن وسعي، أليس حقيقاً لمثلي أن يئن ويبكي؟!
فقال السيد بحر العلوم للشيخ: (شيخنا لهذا جئناك) واحتملوا أن يكون الرجل المهيب الوقر الذي رأوه قريباً من بيت الشيخ هو سيدنا ومولانا صاحب العصر (عجل الله تعالى فرجه، وجعلنا من أنصاره وأعوانه والمرضيين عنده بمحمد وآله الطاهرين).
بارك الله فيكم وسدد الله خطاكم ببركة اهل البيت عليهم السلام